داءُ هنتنغتون، ويُرمَز له بالرمز HD، هو مرضٌ موروث يؤدِّي إلى تَلف بعض الخلايا العصبية في الدماغ. يُولد المريضُ بهذا الداء وهو يحمل الجينَ المُصاب. لكنَّ الأعراضَ لا تظهر عادةً إلاَّ في أواسط العمر. وقد تشتمل الأعراضُ الأولى لداء هنتنغتون على حركاتٍ غير مضبوطة ومشكلاتٍ في التوازن، وشيءٍ من الخَراقة في الحركة. وفيما بعد، يمكن أن يُؤثِّرَ هذا الداءُ في القدرة على المشي أو الكلام أو البلع. كما يعجز بعضُ المرضى أيضاً عن التعرُّف إلى أفراد أُسَرهم. لكن هناك من المرضى من يبقَون مدركين لما يحيط بهم وقادرين على التعبير عن مشاعرهم. إذا كان أحدُ والديك مُصاباً بداء هنتنغتون، فإنَّ احتمال إصابتك به قد يبلغ خمسين بالمائة. لكنَّ فحصاً للدم يستطيع أن يحدِّدَ ما إذا كان المرء يحمل الجينَ الخاص بداء هنتنغتون، كما يستطيع أن يحدِّدَ احتمالَ ظهور هذا المرض. ويمكن لاستشارة طبيبٍ مختصٍ بالجينات أن تساعدَ المرء على الموازنة بين مخاطر الخضوع لهذا الاختبار وفوائده. لا يوجد شفاءٌ من داء هنتنغتون. لكنَّ الأدوية يمكن أن تساعدَ المريض على تدبير بعض الأعراض، من غير أن تستطيعَ إبطاءَ تقدُّم المرض أو إيقافه.
مقدِّمة
داءُ هنتنغتون هو حالةٌ من حالاتِ اضطراب الدماغ المتطور. وهو يسبِّب حركاتٍ غيرَ مضبوطة ومشكلاتٍ انفعالية، فضلاً عن فقدان القدرة على التفكير. داءُ هنتنغتون مرضٌ وراثي. وهذا يعني أنَّ هناك جيناً مَعيباً يسبِّب هذا المرض، ينتقل من الآباء إلى الأبناء. إذا كان أحدُ والدي المرء مُصاباً بداء هنتنغتون، فإنَّ احتمالَ إصابته به تبلغ خمسين بالمائة. يساعد هذا البرنامجُ على فهم داء هنتنغتون. وهو يتناول أعراضه وأسبابه وتشخيصه ومعالجته.الجهازُ العصبي المركزي
يتألَّف الجهازُ العصبي المركزي من الدماغ والحبل الشوكي (النُّخاع). وأمَّا الأعصابُ الموجودة في أنحاء الجسم، كالذراعين والرجلين والصدر والبطن والحوض ، فهي تشكِّل الجهازَ العصبي المُحيطي. يشبه الدماغُ حاسوباً شديدَ التعقيد، يقوم بمعالجة المُعطيات القادمة من الحواس، ثم يحدِّد للجسم كيفيةَ التصرُّف، كأن يكون هذا التصرُّف كلاماً أو حركةً أو غير ذلك. تُدعى الخلايا الرئيسية التي يتشكَّل منها الدماغُ والحبل الشوكي باسم العَصبونات. والعَصبوناتُ هي خلايا التفكير في الدماغ. إنَّها تتواصل فيما بينها من خلال إرسال إشارات كهربائية عبر أسلاك يُدعى الواحدُ منها باسم "المِحوار" أو "المحور العَصَبي". هناك ثلاثةُ أنواعٍ من العَصبونات:- عَصبونات حسِّية.
- عَصبونات حركية.
- عَصبونات متوسِّطة.
داءُ هَنتنغتون
يؤدِّي داءُ هنتنغتون إلى تلف عصبونات معينة في الدماغ. يهاجم هذا المرضُ العَصبونات الموجودة في "العُقد القاعدية" بشكلٍ رئيسي. والعُقدُ القاعدية هي مجموعة من العَصبونات الدماغية الموجودة في مكانٍ عميق داخل الدماغ، وهي قريبةٌ من "المِهاد". تتحكَّم هذه العُقد بالانفعالات والحركة والقدرات المعرفية. وتشتمل القدراتُ المعرفية على التعلُّم والتفكير وحلِّ المشكلات. بما أنَّ مرضَ هنتنغتون يسبِّب موت العَصبونات في العقد القاعدية، فإنَّ الرسائل لا تعود قادرةً على الانتقال عبر هذا الجزء من الدماغ. وهذا يعني أنَّ داءَ هنتنغتون يمكن أن يسبِّب حركاتٍ غير مضبوطة ومشكلاتٍ انفعالية، إضافةً إلى فقدان القدرة على التفكير.الأعراض
يُولَد مرضى داء هنتنغتون وهم يحملون الجينَ المَعيب الذي يسبِّب هذا المرض. لكنَّ الأعراضَ لا تظهر عادةً إلاَّ في أواسط العمر. غالباً ما يبدأ ظهورُ أعراض داء هنتنغتون عندما يكون الشخص في الأربعين أو الخمسين عاماً من العمر. لكنَّ الأعراض تبدأ قبل ذلك أو بعده في بعض الحالات. عندما تبدأ الأعراضُ في وقتٍ مبكِّر، فإنَّ تطوُّر المرض يكون سريعاً في العادة. تؤثِّر أعراضُ داء هنتنغتون المبكِّرة في الحركات، بما في ذلك عدم القدرة على ضبط الحركة، وخراقة الحركة، أو مشكلات التوازن. إنَّ المشكلةَ الأكثر شيوعاً فيما يخص الحركة والناتجة عن داء هنتنغتون تُدعى باسم الرَّقَص و "خلل التوتر". والمقصودُ بالرَّقَص هو الحركات الإرتعاشية المفاجئة لاإرادية. خلل التوتر هو تقلُّصاتٍ غير إرادية للعضلات يمكن أن تسبِّب حركات ملتوية أو متكرِّرة. ومع تقدُّم داء هنتنغتون، يمكن أن تنتج مشكلاتٌ في المشي أو الكلام أو البلع. ومن مشكلات الحركة الشائعة الأخرى لدى مرضى داء هنتنغتون:- حركات غير طبيعية للعينين.
- صعوبةٌ في البلع أو الكلام.
- تصلُّب العضلات وتوترها.
- سوء وضعية الجسم.
- تغيُّرات في الشهية.
- الإحساس بعدم القيمة.
- تراجع أو انعدام الاهتمام بالهوايات والنشاطات المعتادة.
- الابتعاد عن مخالطة الأسرة والأصدقاء.
- النوم لأوقاتٍ زائدة، أو وجود صعوبات في النوم.
- التعب.
- التفكير في الموت أو في الانتحار.
- التصرُّف من غير تفكير.
- صعوبة التركيز أو صعوبة تعلُّم معلومات جديدة.
- صعوبة بدء القيام بمهمة أو بدء محادثة.
- المداومة.
- صعوباتٌ في الإدراك المكاني.
- صعوبة العثور على الكلمات المناسبة.
- صعوبة تخطيط المهام أو تنظيمها.
الأسباب
داءُ هنتنغتون مرضٌ وراثي. وهذا يعني أنَّ الجينَ المَعيب الذي يسبِّب هذا المرض ينتقل من الآباء إلى الأبناء. يمكن أن يكونَ لدى ابن أو ابنة الشخص المُصاب بداء هنتنغتون احتمالُ وراثة الجين المَعيب الذي يسبِّب داءَ هنتنغتون، وذلك بنسبة خمسين بالمائة. هناك حالاتٌ نادرة يمكن أن ينشأَ داءُ هنتنغتون فيها لدى أشخاص لا وجود لهذا المرض في عائلاتهم؛ وهذا عائدٌ إلى تغيُّراتٍ جينية تحدث في أثناء تخلُّق نطفة الأب. يقدِّم هذا القسمُ مزيداً من الشرح عن كيفية وراثة الجين الذين يسبِّب داءَ هنتنغتون، وذلك للمهتمِّين بهذا الأمر. إنَّ الجيناتِ هي التي تخبر الجسمَ بأن يصنع مواداً معينة. وفي كلِّ شخصٍ آلافٌ من هذه الجينات. إنَّ جيناتنا مسؤولةٌ عن شكلنا؛ وهي ذات علاقةٍ وثيقةٍ بصِحَّتنا أيضاً. يحمل كلُّ إنسان ثلاثةً وعشرين زوجاً من الصِّبغيات (الكروموسومات). توجد الجيناتُ على هذه الصبغيات. ويوجد الجينُ المتعلِّق بداء هنتنغتون على الصبغي الرابع. وهو يُدعى باسم جين (HTT). يُصنِّع جين (HTT) بروتيناً يُدعى باسم "بروتين هنتنغتون". إنَّ الغايةَ المحدَّدة لهذا البروتين غيرُ معروفة. لكنَّه يمارس دوراً فيما يخصُّ عَصبونات الدماغ. إمَّا أن يعملَ جين (HTT) على نحوٍ صحيح، أو أن يكونَ مَعيباً. سوف نطلق على جين (HTT) الذي يعمل على نحوٍ صحيح رمز "ج"، دلالةً على كلمة جيِّد. كما سنطلق على الجين المَعيب الذي لا يعمل على نحوٍ سليم الرمز "م"، للدلالة على كلمة مَعيب. لدى كلِّ إنسان اثنان من جينات (HTT): واحد من الأمِّ وواحد من الأب. وإذا كان أحدُ هذين الجينين مَعيباً، فمن المحتمل أن يُصابَ الشخص بداء هنتنغتون. وهذه هي الخلاصة:- إذا وجد "ج" و "م" لدى الإنسان، فإنَّه يمكن أن يُصابَ بداء هنتنغتون، لأنَ أحد الجينين مَعيب. وهو جين "م".
- إذا وُجد "ج" و "ج"، فهذا يعني أنَّ الجينين سليمان، وأنَّ الشخصَ لن يُصاب بداء هنتنغتون.
- إذا وُجد "م" و "ج"، فإنَّ الشخصَ يحمل جيناً مَعيباً، ويمكن أن يُصاب بداء هنتنغتون.
- إذا وُجد "م" و "م"، فإنَّ لدى الشخص جينين مَعيبين، وسوف يُصاب بداء هنتنغتون.
التشخيص
يطرح الطبيبُ أسئلةً عن الأعراض. وهو يجري للمريض فحصاً جسدياً أيضاً. من الممكن أيضاً أن يطلبَ الطبيبُ إجراءَ فحوص عصبية ونفسية للمريض. إن الفحص العصبي يشمل قوَّة العضلات وجودةَ عمل الأعصاب. أمَّا الفحصُ النفسي فهو إجراء تقييم للصحَّة العقلية. من الممكن أن يطلبَ الطبيبُ بعضَ الاختبارات من أجل التحقق من حالة الدماغ. هناك إختبارات لتصوير الدماغ يمكن أن تُظهِر إذا كانت بعض تراكيب الدماغ قد تأثَّرت بداء هنتنغتون. كما يستطيع هذا التصوير استبعادَ وجود أسباب أخرى وراء الأعراض التي يشكو منها المريض. إنَّ التخطيطَ الكهربائي للدماغ، أو EEG، يمكن أن يكون من أساليب التشخيص المستخدمة أيضاً. يقوم هذا التخطيطُ بتسجيل النشاط الكهربائي للدماغ. قد يفيد فحصُ الدم في تأكيد التشخيص. ويستطيع هذا الفحص أن يكشف عن وجود الجين المَعيب الذي يسبِّب داء هنتنغتون. إذا كان هذا الجين المَعيب موجوداً، فمن المحتمل أن يصاب الشخص بهذا المرض. إذا كان لدى المريض تاريخٌ عائلي من الإصابة بداء هنتنغتون، فمن المستحسن أن يجري فحوصاً من أجل الكشف عن وجود الجين المَعيب قبل أن يبدأَ ظهورُ الأعراض. يدعى هذا الفحص باسم "الفحص الاستباقي". ومن الممكن أن يكونَ إجراءُ استشارة جينية أمراً مفيداً من أجل تقييم مخاطر إجراء هذا الفحص وفوائده.المعالجة
لا يوجد شفاءٌ لداء هنتنغتون. لكنَّ الأدويةَ يمكن أن تساعد على تدبير بعض الأعراض، علماً أنَّها لا تستطيع وقفَ المرض أو إبطاء تقدُّمه. هناك أدويةٌ متوفِّرة من أجل المساعدة في معالجة المشكلات الحركية الناتجة عن داء هنتنغتون. وعلى سبيل المثال، فإنَّ دواء تترابينازين (Xenazine®) يستخدم بشكل خاص من أجل معالجة الحركات العنيفة غير الإرادية الناتجة عن داء هنتنغتون. ومن الممكن أيضاً أن يجري استخدامُ الأدوية المضادَّة للذهان، وغيرها من الأدوية التي تساعد في التغلُّب على الحركات غير الإرادية. يمكن معالجةُ المشكلات الانفعالية والعاطفية الناتجة عن داء هنتنغتون باستخدام الأدوية. لكنَّ تحديد الدواء المستخدم يعتمد على المشكلة المحددة. هناك بعض الأدويةٌ المستخدمةٌ من أجل معالجة المشكلات الانفعالية والعاطفية، ومنها:- مُضادَّات الاكتئاب.
- مُضادَّات الذُّهان.
- الأدوية المستخدَمة من أجل استقرار المزاج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق