اضطراباتُ الأكل الأمراض النفسية
تُعدُّ اضطراباتُ الأكل مُشكلاتٍ سلوكية خطيرة. ومنها: • القَهَم أو نقص الشهية العُصابي. وفي هذه الحالة، لا يتناول المريض كفايته من الطعام، ويغدو شديد النُّحول، لكنَّه يرى نفسَه بديناً رغم ذلك. • النُّهام أو فرط الأكل العُصابي، ويتضمَّن فترات من المبالغة في الأكل، تتبعها حالاتُ إفراغ للمعدة عن طريق التقيُّؤ القَسري أو تناول المُسهِلات. • الأكل المُنفَلِت أو المفرط، وهو حالةُ انعدام قدرة المريض على ضبط نوبات الأكل. تُصاب النساءُ باضطرابات الأكل أكثر من الرجال. وتبدأ الحالةُ عادةً منذ المراهقَة، وكثيراً ما تترافق مع حالات الاكتئاب واضطرابات القَلَق وسوء استخدام المواد (المُخَدِّرات مثلاً). يمكن أن تنجمَ عن اضطرابات الأكل مشكلاتٌ في الكُلى والقلب، بل يمكن أن يصلَ الأمرُ إلى الموت أحياناً. وهذا ما يجعل الحصولَ على مساعدة طبِّية في وقت مُبكِّر أمراً هاماً. تشمل المعالجةُ مراقبةَ المريض وعلاجاً للصحَّة النفسيَّة وتقديم المشورة الغذائية، وكذلك استخدام الأدوية أحياناً.
مقدِّمة
اضطراباتُ الأكل هي أمراضٌ تُسبِّب تغيُّرات خطيرة في نظام الأكل اليومي لدى المرضى. ومن الممكن أن يشملَ ذلك الإفراط في الأكل أو الإفراط في الامتناع عن الأكل. يوجد في العالم نحو سبعمائة مليون إنسان مصاب باضطرابات الأكل. وأكثر هؤلاء المصابين من النساء. إنَّ الحصول على مساعدة طبِّية مبكِّرة عندَ الإصابة باضطرابات الأكل أمرٌ هام للحيلولة دون ظهور مُضاعفاتها، لأنَّ من الممكن أن تُسبِّبَ هذه الاضطرابات مُشكلات صحِّية خطيرة. يساعد هذا البرنامجُ التثقيفى على فهم ثلاثة من اضطرابات الأكل: القَهَم (نقص الشهية) العُصابي والنَّهَم العُصابي والأكل المُنفَلِت. كما يتناول أيضاً الأسبابَ المحتملة لاضطرابات الأكل، فضلاً عن مُضاعفاتها وخيارات مُعالجَتها.
اضطراباتُ الأكل
اضطراباتُ الأكل مشكلةٌ صحِّية جديَّة. وقد يلجأ الأشخاصُ المصابون بهذه الاضطرابات إلى الطعام في محاولة للسيطرة على مشاعر معيَّنة تجتاحهم. كما يمكن أن تكون لدى المريض هواجِس من حيث وزنُ جسمه أو شكله. تعدُّ اضطراباتُ الأكل أمراضاً حقيقية قابلة للعلاج. وتظهر هذه الاضطرابات إلى جانب أمراض أخرى غالباً، كالقَلق والاكتئاب وإساءة استخدام بعض المواد، فضلاً عن السلوكيات الوسواسيَّة. كثيراً ما يخجل مرضى اضطرابات الأكل من حالتهم، كما قد يصيبهم الاكتئابُ أيضاً. وقد يحاول المريضُ تجنُّبَ أصدقائه وأقاربه، ويغيب عن كثير من المناسبات الاجتماعية. إن اضطرابات الأكل خطيرةٌ، وقد تمثِّل خطراً على الحياة إذا لم يحصل المريضُ على المعالجة المناسبة. ومن الممكن أن تؤثِّرَ بعض اضطرابات الأكل على القلب والدماغ، وغير ذلك من الأعضاء الهامَّة في الجسم. هناك ثلاثة أنواع شائعه من اضطرابات الأكل: القَهَم العُصُابي، والنَّهَم العُصُابي والأكل المُنفَلِت. سوف نناقش في الأقسام التالية هذه الأنواعَ الثلاثة على نحو أكثر تفصيلاً.
القَهَم العُصُابي
كثيراً ما تُدعى حالة القهَم (نقص الشهية) العُصُابي باسم القَهَم فحسب. والمُصابُ بالقَهَم يرى نفسَه بديناً زائد الوزن، حتَّى إذا كان في واقع الأمر نحيلاً أكثر ممَّا يجب. ويصبح الأكل والطعام وضبط الوَزن هواجس مسيطرة عندَ مريض القَهَم. يُكثر مرضى القَهَم عادة من وزن أنفسهم مراراً وتكراراً، ويحسبون الحصصَ الطعامية بعناية مُفرِطة، ولا يأكلون إلاَّ كمِّيات صغيرة جداً من أطعمة معينة دون غيرها. ومن الممكن أن يتورَّط بعض مرضى القَهَم أحياناً في نوبات من الأكل المنفلِت، تعقبها حِميةٌ شديدة جداً وإفراط في ممارسة التمارين الرياضية والتقيُّؤ المتعمَّد أو إساءة استخدام العقاقير التي تُساعد على تخفيض الوزن. ويكون الشخصُ المُصاب بالقَهَم:
- ناقصَ الوزن على نحو لا يتناسب مع طوله.
- شديدَ الخوف من زيادة وزنه.
- دائمَ الظن بأنَّه بدين رغم شدَّة هُزاله في الحقيقة.
- ميَّالاً إلى مقاومة ورفض المحافظة على الوزن الصحِّي المعقول.
يبدو مريضُ القَهَم شديدَ النحول. وقد يلجأ إلى إجراءات متطرِّفة من أجل تخفيض وزنه، وذلك من قبيل:
- ممارسة الرياضة رغم التعب، أو الاستمرار في ذلك حتَّى يمنعه الألمُ من المواصلة.
- التقيُّؤ المتعمَّد.
- الامتناع عن الأكل أو تخفيف الأكل إلى درجة كبيرة.
- تناول أدوية تُساعد على تخفيض الوزن.
يكون مرضى القَهَم أكثرَ تعرُّضاً من غيرهم لاحتمال الإصابة بالمشاكل القلبية والدماغيَّة والنمو الجسدي. يُؤثِّر القَهَمُ في الجسم كلِّه، لأنَّ الجسم لا يحصل على كفايته من الطاقة عبر الغِذاء. من الممكن أيضاً أن يُفضي القَهَم إلى:
- فَقر الدم.
- العجز عن الحمل اوإنجاب الأطفال.
- انخفاض ضغط الدم وتباطؤ النَّبض.
- فشل عدد من أعضاء الجسم.
- ضعف و هزال العضلات
- التهاب العِظام أو هشاشتها.
النَّهَم أو النُّهام العُصابي
يكون الشخصُ مُصاباً بالنَّهَم أو النُّهام العُصابي عندما يُعاني من نوبات متكرِّرة وكثيرة لتناول كمِّيات ضخمة من الطعام، ويعجز عن ضبط هذه النوبات. وتُتبَع هذه النوباتُ من الأكل المنفَلِت عادةً بحالاتٍ من التقيُّؤ الإرادي المقصود ومن الإفراط في تناول المُسهِلات ومُدِررات البول واللجوء إلى الصيام والتمارين الرياضية المُفرِطة، أو مزيج من هذه السلوكيات. على النقيض من حالة القَهَم، غالباً ما يُحافظ مرضى النَّهَم على أوزان صحِّية أو طبيعية، في حين تكون أوزانُ بعضهم زائدةً بعضَ الشيء. لكنَّ مرضى النَّهم يعانون من خوف دائم من زيادة أوزانهم، كما يفعل مرضى القَهَم. وهم يحملون أيضاً رغبةً شديدة ودائمة في تخفيف الوزن وانزعاجاً مستمراً من حجم أجسامهم وشكلها. من الممكن أن يلجأ مريضُ النَّهَم إلى تدابير متطرِّفة لتخفيض وزنه، وذلك من خلال:
- ممارسة الرياضة رغم التعب.
- الذهاب إلى المرحاض للتقيُّؤ بعدَ إتمام الاكل .
- استخدام حبوب الحِمية والمُسهِلات ومُدِرّرات البَول.
قد تظهر على مريض النَّهَم علاماتٌ تشير إلى كثرة التقيُّؤ، ومنها:
- أوعية دموية ممزَّقة في العينين بسبب التقيُّؤ القسري.
- تقرُّحات أو خُدوش على الأصابع إذا كان المريضُ يستخدم أصابعه لتحريض التقيُّؤ.
- انتفاخ منطقة الفكين أو الوَجنتين.
- شدَّة بياض الأسنان بسبب الأذى الذي يلحق بها جرَّاء الأحماض المَعِديَّة التي تخرج مع التقيُّؤ.
يكون مرضى النَّهَم معرَّضين كثيراً لمخاطر المشكلات القلبية والدِّماغية، فضلاً عن مشكلات النموِّ الجسدي. إن للنَّهَم العُصابي أثراً سيِّئاً على الجسم كله، لأنَّ الجسم لا يحصل على كفايته من الطاقة من الغذاء. من الممكن أن يُؤدِّي النَّهَم في النهاية إلى:
- مشكلات في جهاز الهَضم، كالقرحة مثلاً.
- اختلال التوازن الكهَرلي (أو الإلكتروليتي)، ممَّا يمكن أن يؤدى إلى نوبات قلبية.
- زيادة حساسيَّة الأسنان، ثم تآكلها.
- حالات شَديدة من الجفاف.
اضطرابُ الأكل المُنفَلِت (اضطرابُ فرط الأكل)
يلتهم المرضى المُصابون باضطراب الأكل المُنفَلِت عادةً كمِّياتٍ ضخمة من الطعام. ومن المألوف أن يفقدوا أيَّةَ سيطرة على أنفسهم في أثناء نوبات الأكل المنفَلت. وغالباً ما تكون أوزانُ هؤلاء المرضى زائدة، بل يمكن أن يكونوا بدينين جداً. على خلاف ما نراه في النَّهَم أو القَهَم العُصابيين، لا يلجأ مرضى اضطراب الأكل المنفلت إلى التقيُّؤ القسري، ولا يُكثِرون من ممارسة التمارين الرياضية. من الممكن أن يتَّسِم مرضى اضطراب الأكل المُنفَلِت بما يلي:
- مواصلة الأكل حتَّى بعدَ الإحساس بالشَّبَع.
- الأكل بَعيداً عن الناس بسبب الشعور بالإحراج.
- تناول الطعام بسرعة أكثر من المعتاد في أثناء نوبات الأكل المنفلت.
- الأكل رغم عدم الإحساس بالجوع.
- الشعور بالذنب أو الاكتئاب بعدَ تناول كمِّيات زائدة من الطعام.
كثيراً ما يؤدِّي الشعورُ بالخجل والذَّنب، بعدَ تلك النوبات ، إلى تعرُّض مرضى هذا الاضطراب إلى مزيد من نوبات الأكل المُنفلت يكون مريضُ اضطراب الأكل المُنفَلِت بديناً غالباً. وهذا ما يزيد من مخاطر ما يلي:
- بعض أنواع السَّرطان.
- الأمراض القلبية.
- ارتفاع ضغط الدم.
- زيادة الكولستيرول في الدم.
- أمراض المَرارة.
- الداء السُّكَّري من النمط 2.
الأسباب
يجد الباحثون أنَّ اضطراباتِ الأكل تنجم عن تفاعل مُعقد بين عوامل وِراثية وبيولوجية وسلوكية ونفسية واجتماعية. تكون النساءُ أكثرَ ميلاً من الرجال إلى الإصابة باضطرابات الأكل. كما أنَّ هذه الاضطرابات تبدأ في سنوات المراهقة عادة. كثيراً ما يترافق ظهورُ اضطرابات الأكل مع مشكلات نفسية أخرى، كالاكتئاب والقلق والاضطرابات الوِسواسية. وغالباً ما يشعر مرضى اضطرابات الأكل بالعجز وانعدام القيمة. من الممكن أيضاً أن تكونَ لتغيُّرات الحياة او الأحداث التي تسبب الشدة النفسية أثرٌ على مدى ما يأكله الشخصُ من طعام صحِّي. وقد تؤدِّي الأحداث التي تسبِّب رُضوضاً نفسية إلى إطلاق اضطرابات الأكل. قد ينشأ اضطرابُ الأكل أيضاً عن بيئة عائلية محدَّدة، حيث من الممكن أن يؤدِّي موقف أحد الوالدين، أو كليهما، من مظهر الجسم ومن الحمية الغذائية إلى التأثير في الأطفال. كما أنَّ احتمالَ ظهور أحد اضطرابات الأكل عند فرد من العائلة يزداد إذا كان هذا الاضطرابُ موجوداً عند شخص آخر في العائلة نفسها.
المعالجة
يُشارك في معالجة اضطراب الأكل عادةً فريقٌ مكوَّن من أطبَّاء واختصاصيي تغذية ومعالجين نفسيين. وهم يساعدون المريض على:
- التلاؤم مع الشدَّة النفسية والمشاعر.
- تعَلُّم أنماط الأكل الصحِّية.
تكون إعادةُ الشخص إلى الوزن الطبيعي أحدَ أهداف معالجة اضطراب الأكل. ومن تلك الأهداف أيضاً معالجةُ أيَّة مشكلات نفسية متعلِّقة بذلك الاضطراب أو مُسبِّبة له، للحيلولة دون التنُّكس أو عودة الإصابة من جديد. تشتمل معالجةُ اضطرابات الأكل عادةً على استخدام الأدوية والمعالجة النفسية. وقد تشمل الأدويةُ مُضادَّات الاكتئاب أو مُضادَّات الذُّهان أو مُثَبِّتات المزاج، وذلك عندَ معالجة القهم. كما يمكن استخدامُ عقاقير مُحفِّزة أو مُثبِّطة للشهية بحسب طبيعة حالة اضطراب الأكل. هناك أنواعٌ كثيرة من المعالجات المُتاحة من أجل اضطرابات الأكل. ومن الممكن أن تجري المعالجةُ ضمن مجموعات، أو على نحو فردي، أو حتى بما يشمل العائلة كلها. يكون تقديمُ المشورة الغذائية جزءاً من معالجة اضطرابات الأكل أيضاً، لأنَّ معرفة كيفية الأكل الصحِّي أمرٌ مهمٌّ للمحافظة على الوزن الصحي السليم وعلى شكل الجسم أيضاً.
الخلاصة
تعد اضطرابُات الأكل من المشكلات الصحِّية الخطيرة. وقد يستعين مريضُ اضطراب الأكل بالطعام للوصول إلى شعور بالسيطرة على مشاعر تطغى عليه. كما قد يعاني هؤلاء الناس أيضاً من هواجس مَرَضيَّة فيما يخصُّ شكلَ أجسامهم ووزنها. تمثِّل النساءُ غالبيةَ الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل. إن الأنواع الثلاثة الشائعة لتلك الاضطرابات هي: القَهَم العُصابي والنَّهَم العُصابي والأكل المُنفلِت. تستخدم معالجةُ اضطرابات الأكل مزيجاً من الخيارات المتاحة. وتتضمَّن تلك الخيارات عادة استخدامَ الأدوية والمعالجة النفسية والمشورة الغذائية. يمكن أن تسبب اضطرابات الأكل مشكلات صحِّية خطيرة. أنَّ الحصولَ على المساعدة الطبِّية في وقت مبكِّر أمرٌ مهمٌّ للحيلولة دون ظهور مضاعفات اضطرابات الأكل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق