السبت، 11 يناير 2014

رضوض الدماغ أمراض الجهاز العصبي


رضوض الدماغ - كافةفي كلِّ سنة يُصاب ملايين البشر بإصابات في الرأس أو الدماغ، والكثير من تلك الإصابات تكون خطيرةًً إلى حدٍّ يجعل الذهاب إلى المستشفى أمراً ضرورياً. وقد تؤدِّي الحالات الخطيرة إلى إصابات دماغية دائمة أو حتى إلى الوفاة. يحدث نصفُ عدد الإصابات الدماغية الرَّضِّية بسبب حوادث السير والمرور. وإضافةً لذلك، فإنَّ أفراد القوات المسلَّحة معرَّضون أيضاً لذلك الخطر. قد لا تظهر أعراضُ الإصابات الدماغية الرَّضِّية إلاَّ بعد أيَّام أو أسابيع من وقوع الإصابة. تحتاج الإصاباتُ الدماغية الرضية الخطيرة إلى علاج إسعافي. يتوقَّف العلاجُ ونتائجه على درجة الإصابة؛ فالإصاباتُ الدماغية الرضِّية قد تسبِّب مجالاً واسعاً من التغيُّرات التي تؤثِّر في التفكير والأحاسيس واللغة والعواطف، وقد تترافق الإصاباتُ الدماغية الرضية باضطراب الشدَّة النفسية التالية للإصابات الرضية، كما حتاج المصابون بإصابات خطيرة إلى إعادة التأهيل عادةً.

مقِّدمة

يمكن لأيَّ حركة مفاجئة عنيفة على الرأس أو ضربة على الرأس أن تسبِّب الأذى للدماغ. وهذا ما يُسمَّى إصابة الدماغ الرضِّية. وفي كلِّ سنة، يُصاب الملايين من الاشخاص بإصابات الدماغ الرضِّية. يمكن أن تكونَ إصاباتُ الدماغ الرضيَّة خفيفةً أو معتدلة أو شديدة. وقد تسبِّب إصابات الدماغ الرضيَّة الخفيفة تخليطاً ذهنياً وصُداعاً، ومعظمُ الناس يتعافون منها. أمَّا إصاباتُ الدماغ الشديدة فيمكن أن تسبِّب الإعاقة أو الموت. قد تحصل إصاباتُ الدماغ الرضيَّة الشديدة حتَّى إذا لم يرتطم الرأس بجسم صُلب أو قاسٍ. وقد تحدث هذه الإصاباتُ بسبب حوادث السير والمرور، ولدى أفراد القوَّات المسلَّحة المعرَّضين لصدمة الانفجارات. يشرح هذا البرنامجُ التثقيفي المصطلحات المختلفة التي يستخدمها الطبيب لإصابات الدماغ الرَّضِّية. كما يناقش أيضاً أنواع إصابات الدماغ الرَضية، وأسبابها، وأعراضها، والمضاعفات المحتملة، وطرق العلاج المتوفِّرة.

تشريح الدماغ

الدماغُ هو أهمُّ عضو في الجسم؛ فهو يتحكَّم بالحواس الخمس وبالقدرة على الكلام والحركة. يقع الدماغُ داخل الجمجمة العظميَّة، والتي تحمي الدماغ من الضربات الخفيفة على الرأس. يتَّصف الدماغُ بقوامٍ هلاميٍّ أو جيلاتيني. وهو يطفو داخل الجمجمة ضمن سائل خاص يُدعى السائلَ الدماغي النخاعي أو السائل الشَّوكي. ويعمل هذا السائل كوسيلة لامتصاص الصدمات لحماية الدماغ من الضربات التي تصيب الجمجمة. يكون الدماغُ محمياً بالجمجمة، وتغطِّيه ثلاث طبقات من الأنسجة، وتُسمَّى الطبقة الخارجية السميكة "الأم الجافية". تقوم هذه الأغشيةُ بحماية الدماغ وحفظ السائل الدماغي النخاعي من التسرُّب إلى الخارج. يتألَّف الدماغُ من جزئين هما نصف الكرة الدماغية الأيسر والأيمن. وفي كلِّ نصف منهما، توجد مناطقُ متخصِّصة بالحركة والتفكير والأحاسيس والمشاعر. وتعتمد الوظائفُ التي تتضرَّر على المنطقة المصابة بالأذى في الدماغ. الدماغُ عضو بالغ التعقيد، لم يفهم العلماءُ تماماً كيف يفكِّر الدماغ وكيف يشعر بالعواطف والانفعالات، وكيف ينسِّق وظائف الجسم. وليس من السهل دائماً على الأطبَّاء التنبُّؤ بما سيحدث للمريض بسبب الإصابة الدماغية؛ فقد تكون التأثيرات نفسيَّة، أو عاطفية، أو في العلاقات مع الآخرين أو جسدية.

أسبابُ إصابة الدماغ الرَّضِّية

تنجم إصابةُ الدِّماغ الرَّضِّية عن ضربة قوية أو إصابة قوية جداً تخترق الرأس. ويُعدُّ السقوط وحوادث السير من الأسباب الرئيسية لهذه الإصابات. تشمل الأسبابُ الرئيسية الأخرى لإصابات الدماغ الرَّضِّية على التعرُّض للضرب بشيء صلب عن طريق الخطأ، أو التعرُّض للاعتداء أو الإصابات الرياضية.
تظهر أعلى نسبة لإصابات الدماغ الرَّضِّية بين المراهقين الذكور والشَّباب بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين من العمر، وبين كبار السنِّ رجالاً ونساء ممَّن تجاوزوا الخامسة والسبعين من العمر. ويُعزى السَّببُ الرئيسي بين الشباب إلى حوادث السير. أمَّا بالنسبة لمن تجاوزوا الخامسة والسبعين، فتُعزى معظم هذه الإصابات إلى السقوط أو التعثُّر.
قد يتعرَّض الأطفالُ لإصابات دماغية خطيرة عند هزِّهم بعنف، سواء كان ذلك بسبب سوء معاملة الطفل أو نتيجة اللعب الخشن. وتُعدُّ مُتلازمة الطفل المهزوز شكلاً من أشكال إصابات الدماغ الرَّضِّية. تمثِّل الانفجاراتُ سبباً شائعاً لإصابات الدماغ الرَّضِّية في الجيش خلال الحروب. وقد عانى الكثيرُ من أفراد القوات المسلَّحة من إصابات الدماغ الرَّضِّية بعد الإصابة في انفجار. وفي معظم هذه الحالات، لم تسبِّب الشظايا أو الرصاصات ضرراً مباشراً في الجمجمة أو الدماغ، بل نجمت الإصابات عن عاملين:
  • حركة عنيفة مفاجئة للدماغ في داخل الجمجمة.
  • مرور موجة ضغط الانفجار عبر الدماغ.

تأثيراتُ إصابات الدماغ الرَّضِّية

في الحوادث التي يهتزُّ فيها الرأس اهتزازاً عنيفاً مفاجئاً، يمكن أن يتحرَّك الدماغ ويرتطم بالجمجمة. وحتَّى إذا لم يرتطم الدماغ بالجمجمة، فإنَّ الحركة المفاجئة للدماغ يمكن أن تسبِّب الأذى، وهذا ما يُسمَّى إصابة القصِّ التي تبدو وكأنَّ أنسجة الدماغ قد تمزَّقت من الداخل. وقد تتسبَّب هذه الإصابة في تكدُّم وتورُّم يُعرف باسم الرَّضِّ. عندما يتورَّم النسيج المصاب في الدماغ، فإنَّه يضغط على بقية الدماغ، لأنَّ الجمجمة غير قابلة للتمدُّد. وهذا ما يجعل تورُّم الدماغ خطراً، حيث يسبب ضغطاً إضافياً على الدماغ نفسه، ممَّا يؤدِّي إلى إلحاق مزيد من الضرر بخلاياه. يبدأ تورُّمُ الدماغ فورَ حدوث الإصابة عادة، ويستمرُّ بالتزايد طوال ثلاثة أيَّام قبل أن يبدأ بالتقلُّص والعودة إلى حالته الطبيعية. وإذا كان التورُّمُ والضغط شديدين، وبقيا من غير معالجة، فقد ينتهي الأمر بالموت. يحيط بالدماغ غشاءٌ يُسمَّى الأم الجافية. وفي حال اخترق جسمٌ ما الجمجمة ودخل إلى الجافية، فقد يسبِّب ذلك عدوى جرثومية تُسمَّى التهابَ السحايا. ويمكن لهذه العدوى، إذا لم تتم السيطرةُ عليها، أن تنتشر في الجسم، وقد تؤدِّي إلى الموت. يمكن أن تُصابَ الأوعية الدموية للدماغ بسهولة عندما يتعرَّض الرأسُ للإصابة، وقد تنفجر، فيحدث النزف داخل الدماغ ومن حوله. ويُسمَّى هذا النزف أيضاً بالورم الدموي. يمكن أن يسبِّب النزفُ والتورُّم والضغط داخل الدماغ نقصاً في تدفُّق الدم إلى الدماغ أيضاً، وهذا ما قد يؤدِّي إلى مشاكل في وصول الأكسجين وسكَّر الدم وبعض المعادن إلى خلايا الدماغ. وإذا لم تتم المحافظةُ على التوازن الصحيح، فإنَّ حالة النقص الشديد أو الزيادة الشديدة في بعض العناصر يمكن أن تصبح سامةً لخلايا الدماغ، وتؤدِّي إلى موتها. يتألَّف نسيجُ الدماغ من خلايا صغيرة تُدعى العَصبونات. ولهذه العَصبونات وصلاتٌ طويلة تُدعى المَحاوير، وهي لا تُرى بالعين المجرَّدة، بل بالمجهر، ويشبه عملُها إلى حدٍّ كبير عملَ الأسلاك الكهربائية، حيث تنقل المعلوماتِ بين خلايا الدماغ. يمكن أن يؤدِّي الرَّضُّ العنيف المفاجئ على الرأس إلى إصابة المحاوير وتمزُّقها. ويُسمَّى هذا النوعُ من الإصابة إصابةَ المحاوير المنتشرة. وهذه الإصابة المِجهرية للمحاوير يمكن أن تؤدِّي إلى مشاكل نفسيَّة طويلة الأمد وإلى الغيبوبة، وربَّما إلى الموت.

أنواع الإصاباتُ الدماغية الرضِّية

يستخدم الأطبَّاءُ عواملَ مختلفة للتمييز بين الإصابات الرَّضِّية الدماغية. ومن هذه العوامل إصابةُ الرأس المفتوحة أو المغلقة. تنطوي إصابةُ الرأس المفتوحة على كسر في الجمجمة، أمَّا إصابة الرأس المغلقة فلا تتضمَّن كسراً. الإصاباتُ التي تحدث بعد الحادث مباشرة والإصاباتُ التي تحدث بعده هي مختلفة أيضاً. وتُسمَّى الإصابات الأولى إصاباتٍ أوَّلية، بينما تُسمَّى الإصابات اللاحقة إصاباتٍ ثانوية. والتصنيفُ المعتمَد الأهم هو درجة إصابة الدماغ الرَّضِّية، حيث تعتمد المعالجةُ وإعادة التأهيل على شدةَّ الإصابة. ويستخدم الأطبَّاءُ ثلاث فئات لوصف شدَّة إصابة الدماغ الرَّضِّية، وهي تتضمَّن إصابة الدماغ الرضِّية الخفيفة، والمعتدلة، والشديدة. ولهذا السبب، يعتمد الأطبَّاء على بعض المقاييس، مثل مقياس غلاسكو للغيبوبة. مقياسُ غلاسكو للغيبوبة هو اختبارٌ يساعد الطبيب على تحديد شدَّة إصابة الدماغ الرَّضِّية، حيث يفحص الطبيبُ قدرةَ المريض على اتِّباع التعليمات، وفتح وغلق عينيه وتحريك أطرافه والانسحاب من الألم وإطاعة الأوامر. وبالاستناد إلى هذه المُعطَيات، يُعطي الطبيب المريض نقاطاً من 1 إلى 15 لتحديد درجة الإصابة. وتُعطَى نقاط عالية للإصابة الخفيفة. وتُصنَّف فئاتُ ونقاط الإصابة على النحو الآتي:
  • إصابة دماغ رَّضية خفيفة: 13-15 نقطة.
  • إصابة دماغ رَّضية معتدلة: 9-12 نقطة.
  • إصابة دماغ رَّضية شديدة: 8 نقاط أو أقل.
يفقد المرضى في بعض الأحيان الوعيَ بعد تعرُّض الدماغ للإصابة. كما قد يعانون أيضاً من مشاكل في تذكُّر الأحداث قبل الإصابة مباشرة وخلالها وبعدها. وتَستخدِم مقاييسُ أخرى المدَّةَ التي استمرَّ خلالها المصاب في حالة من فقدان الوعي، والمدَّةَ التي استغرقها لاسترجاع ذاكرته، كطرق إضافية لتحديد درجة إصابة الدماغ الرَّضِّية.

أعراض الإصابات الدماغية الرضية

يمكن أن تكون إصاباتُ الدماغ الرَّضِّية خفيفةً أو شديدة جداً اعتماداً على مدى إصابة الدماغ، حيث تُعدُّ إصابة الدماغ شديدة إذا استمرَّت حالة غياب الوعي التي يعاني منها المصاب أيَّاماً أو أسابيع أو أشهراً. وتمثِّل الغيبوبةُ فئة من إصابات الدماغ الرَّضِّية الشديدة التي يكون فيها المصاب في حالة من فقدان الوعي لا يمكن إيقاظُه منها. وتُعدُّ إصابة الدماغ الرَّضِّية معتدلةً إذا فقد الشخص وعيَه من بضع دقائق إلى بضع ساعات. وقد يبقى المصابُ مشوَّشاً من عدَّة أيَّام إلى عدَّة أسابيع. وتستمرُّ التغيُّراتُ في قدرة المصاب على الكلام أو الحركة طوالَ أشهر، وقد تصبح دائمة. أمَّا في إصابة الدماغ الخفيفة، فقد يفقد المصابُ وعيَه أو لا يفقده. وتُسمَّى إصابات الدماغ الرَّضِّية الخفيفة ارتجاجَ الدماغ أحياناً. وإذا فقدَ المصاب وعيه، فإنَّ ذلك يستمرُّ من بضع ثوان إلى دقائق. ويكون المصاب مذهولاً ومشوَّشاً. قد يحدث ارتجاجُ الدماغ بعد السقوط في المنزل أو خلال احتكاك عنيف في مباراة لكرة القدم. ومن الطبيعي ألاَّ يتذكَّر المصاب بارتجاج الدماغ الأحداثَ التي جرت قبيل الحادث، وخلاله، وبعده مباشرة. تتضمَّن الأعراضُ الأخرى لإصابة الدماغ الرَّضِّية:
  • الصُّداع.
  • التخليط الذُّهني.
  • الدُّوار.
  • الدوخة.
  • تشوُّش الرؤية أو تعب العينين.
  • طنين الأذن.
  • الشعور بطعم غير مستحب في الفم.
  • التعب أو النعاس.
  • اضطرابات النوم.
  • تغيُّرات في السلوك أو المزاج.
كما قد تتضمَّن الأعراضُ أيضاً مشاكل في:
  • الذاكرة.
  • التركيز.
  • الانتباه.
  • التفكير.
وقد تستغرق هذه الأعراضُ من أسابيع إلى أشهر لكي تزول لدى مريض إصابة الدماغ الرَّضِّية الخفيفة. يعاني الشخص، على سبيل المثال، من صُداع يزداد سوءاً أو لا يزول، ومن تقيُّؤ متكرِّر أو غثيان، واختلاجات أو تَشنُّجات صرعيَّة، وعدم القدرة على الاستيقاظ من النوم، وتوسُّع في إحدى حدقتي العينين أو في الحدقتين معاً، ومن كلام مضطرب، وضعف أو خَدَر في الأطراف، وفقدان تناسق الحركة، وتخليط ذهني متزايد، وتململ، واهتياج.

متى ينبغي مراجعة الطبيب

ينبغي على كلِّ من تعرَّض لضربة على الرأس أن يخضعَ لفحص من قبل الطبيب كي يكون مطمئناً. كما ينبغي طلبُ المساعدة الطبِّية العاجلة إذا تضمَّنت الأعراض:
  • اختلاجات.
  • ضعفاً أو خَدَراً في اليدين أو السَّاقين.
  • اضطراب الكلام.
  • التقيُّؤ المتكرِّر.

قد لا يشعر بعضُ الأشخاص بالاضطراب بعدَ التعرُّض لضربة على الرأس مباشرة، ولكن مع هذا يحدث نزفٌ حول الدماغ. ويجب معالجة هذا النزف على الفور أو قد يتسبَّب بمضاعفات قد تصل إلى الموت. تتضمَّن أعراضُ الورم الدموي الصداعَ والتعب واضطرابات في النوم والضعف والغثيان والتقيُّؤ وسرعة التهيُّج. يمكن أن يَطلُب الطبيبُ إجراءَ صورة طبقية محورية أو تصويراً بالرنين المغناطيسي لرؤية صور لداخل الدماغ. وتستطيع هذه الصورُ أن تساعد الطبيبَ على رؤية علامات التورُّم الدموي أو الإصابات الأخرى. وقد يقرِّر الطبيب إبقاءَ المريض في المستشفى لمراقبة وضعه عن كثب، حتى إذا لم يعثر على شيء. في بعض الحالات، يًرسل الطبيبُ المريضَ إلى منزله مع شخص راشد مسؤول، وقد يطلب الطبيبُ من هذا الشخص إيقاظَ المريض من وقت لآخر وسؤاله "أين أنت؟"، "ما اسمك؟" و "كيف تشعر؟" للتأكُّد من أنَّ وضعه جيِّد.

مضاعفات إصابات الدماغ الرضية

تعتمد مضاعفاتُ إصابات الدماغ الرَّضِّية على شدَّة الإصابة؛ فالإصاباتُ الرَّضِّية الشديدة، كطلقة الرصاصة التي تخترق الدماغ، تؤدِّي إلى الموت غالباً, بينما يتعافى معظمُ الناس الذين يتعرَّضون إلى إصابات خفيفة بشكل تام عادة. تؤدِّي الإصابات الرضِّية التي تسبِّب ضغطاً كبيراً على الدماغ إلى مضاعفات خطيرة، كالنزف وحدوث الجلطات الدموية وموت الخلايا بسبب نقص تدفُّق الدم إلى الدماغ. ويمكن أن تؤدِّي هذه المضاعفات، إذا لم تُعالج، إلى مزيد من الضرر للدماغ، وحتَّى إلى الموت. تستجيب بعضُ المضاعفات للمعالجة بشكل جيِّد. غير أنَّ الدماغ يحتاج إلى وقت طويل كي يرمِّم الضرر، وقد لا يتعافى بشكل تام إطلاقاً. ومن التأثيرات الطويلة الأمد نذكر:
  • الإعاقات المعرفية أو الإدراكية.
  • التغيُّرات في الشخصية.
  • المشاكل الحسِّية.
  • الصُّداع.
  • نوبات الاختلاج أو الصَّرع.
  • اضطراب الشدَّة التالية للرَضِّ (اضطراب ما بعد الصدمة).
بعدَ إصابة الدماغ الناجمة عن حادث رضِّي نفسي، قد يُصاب الشخصُ باضطراب الشدَّة التالية للرَض. وقد تتراءى له لقطاتٌ من الحادث أو قد يشعر وكأنَّ الحادث يقع مرَّةً ثانية. ويعاني المصابون باضطراب الشدَّة التالية للرَض من الكوابيس واضطرابات النوم والشعور بالغضب والذنب والوحدة والخوف.

تشخيص إصابات الدماغ الرضية

سواءٌ أكانت إصابةُ الدماغ شديدة أم خفيفة، فإنَّ على الطبيب أن يجري تقييماً سريعاً لحالة المريض ليتمكَّنَ من معالجة المضاعفات قبل أن تسوء. ويعتمد الأطباءُ على صور لباطن الدماغ تُدعى صور التفرُّس الطبقي المحوري. يُجرى التفرُّسُ الطبقي المحوري للتأكُّد من عدم وجود كسور في الجمجمة أو خَثرات دموية وكَدَمات في الدماغ أو حوله. واعتماداً على حالة المريض وعلى نتائج التصوير الطبقي المحوري الأوَّل، يمكن أن يحتاج المريضُ إلى البقاء في المستشفى لمراقبة وضعه عن كثب. أمَّا إذا كانت الإصابة شديدة، وتحتاج إلى جراحة، فمن الممكن أن يُحوَّل المريض إلى الجراحة فوراً. يمكن أن تُعادَ صور التفرُّس الطبقي المحوري عدَّةَ مرَّات في الأيَّام القليلة الأولى بعد الإصابة للتأكُّد ممَّا إذا كانت الجلطاتُ الدمويَّة قد أصبحت أكبر أو ما إذا كان الدماغ قد بدأ يَتَورَّم. يجرى تصويرُ الدماغ بالرَّنين المغناطيسي في وقتٍ لاحق للتأكُّد من عدم وجود ضرر لا يمكن رؤيتُه في صور التفرُّس الطبقي المحوري . يَستخدِم التصويرُ بالرنين المغناطيسي مَغانِط قويَّة وأمواجاً راديويَّة لإعطاء صور مفصَّلة عن باطن الدماغ. وتكون صورُ التفرُّس المقطعي المحوسَب نوعيَّةً أكثر للنزف في الدماغ وما حوله، ويمكن أن تُجرى بسرعة أكبر. ولهذا السبب، تُجرى هذه الصُّوَر أوَّلاً.

علاج إصابات الدماغ الرضية

تعتمد معالجةُ إصابة الدماغ الرَّضِّية على شدَّة الإصابة؛ فإصاباتُ الدماغ الرَّضِّية الخفيفة مع غياب الأعراض تدلُّ على وجود نزف داخلي في الدماغ، ولا تحتاج إلى المعالجة، ولا تتطلَّب سوى الراحة. ولكن، قد يطلب الطبيب أيضاً من المريض أو من أهله أن يراقب ظهورَ أيَّة عوارض، مثل الصداع الشديد والكلام المشوش والغثيان والتقيُّؤ والنُّعاس. وقد تدلُّ هذه الأعراض على وجود نزف داخل الدماغ. أمَّا إذا كانت إصاباتُ الدماغ الرَّضِّية شديدة أكثر، فيصبح من الضروري إدخال المصاب إلى المستشفى ومراقبته عن كثب ومعالجته. وعلى سبيل المثال، عندَ وجود كسر في الجمجمة، فقد يستدعي الأمرُ إجراءَ جراحة لاستخراج الجلطة الدموية ومعالجة الكسر. وعند وجود جرح ناجمٍ عن إطلاق رصاصة، فقد يحتاج المصابُ إلى جراحة لتنظيف الجروح. أمَّا إذا كانت الرصاصةُ لا تزال في الدماغ، ويمكن للطبيب الوصول إليها، فيمكنه أيضاً استخراجها. يعمل الأطبَّاءُ على وقف النزف ومنع العدوى والجلطات الدموية ومعالجة الضغط النَّاجم عن التورُّم. في حالات إصابات الدماغ الرَّضِّية الخفيفة والمعتدلة، مع ازدياد الضغط داخل الدماغ، تُركِّز المعالجةُ على التحكُّم بالضغط، والتأكُّد من وجود إمداد كافٍ بالأكسجين إلى الدماغ وباقي الجسم، والمحافظة على تدفُّق الدم إلى الدماغ. في بعض الأحيان، تُعالج إصاباتُ الدماغ الرَّضِّية الشديدة بوضع المريض على جهاز تنفُّس لحماية مجرى الهواء وفرط التهوية؛ ففرطُ التهوية يخفِّف من الضغط داخل الجمجمة. يستخدم الأطبَّاءُ أجهزةَ مراقبة خاصَّة أحياناً لقياس ضغط الدماغ باستمرار؛ وهذا الضغطُ يُسمَّى الضغط داخل القحف. وتُعرف هذه الأجهزة بأجهزة مراقبة الضغط داخل القحف؛ فالضغطُ المرتفع جداً داخل القحف قد يكون خطراً جداً على الدماغ، ويمكن أن يؤدِّي إلى ضرر دائم فيه أو حتَّى إلى الموت. يمكن أن توضعَ أجهزةُ المراقبة في الدماغ أو على ذروة الدماغ عبر الجمجمة. قد يستخدم الأطبَّاءُ أدويةً لتخفيف الضغط داخل القحف. وتُعطى معظمُ هذه الأدوية عبر الوريد. في حالة وجود تورُّم شديد في داخل الدماغ، يُوضَع قثطار في داخل بُطينات الدماغ. والبُطيناتُ هي تجاويف ممتلئة بالسائل في الدماغ. تخفِّف هذه القثاطيرُ الضغطَ داخل القحف من خلال تصريف بعض السائل. ويُعرف تراكمُ السائل الدماغي الشوكي في داخل الدماغ باستسقاء الرأس. تُجرى الجراحةُ في بعض الأحيان لاستئصال جزء من الجمجمة. ويساعد هذا الإجراء في إفساح المجال لتورُّم الدماغ وتخفيف الضغط عنه. ويقوم الأطبَّاء خلال هذه الجراحة بإزالة قطعة من الجمجمة ثم غلق الجلد. وتعاد القطعةُ المزالة من الجمجمة إلى مكانها بعد بضعة أشهر اعتماداً على وضع المريض. يكون المرضى الذين يعانون من إصابات الدماغ الرَّضِّية معرَّضين لنوبات اختلاج، لذلك قد يعطيهم الأطبَّاءُ أدوية لمعالجة هذه الحالة خلال الأسبوع الأوَّل بعد الجراحة. تكون الفترةُ الأشدُّ خطورة بالنسبة لمرضى الإصابات الدماغية الرَّضِّية المعتدلة أو الشديدة هي أوَّل ثلاثة إلى خمسة أيَّام بعد الجراحة. وبعد أن يتجاوز المريض هذه الفترة الحرجة، ينتهي خطرُ الموت، وتبدأ عملية إعادة التأهيل. قد يعاني الذين تعرَّضوا لإصابات دماغ رضِّية من إصابات رضِّية في أجزاء أخرى من الجسم. ويشمل هؤلاءأفرادَ القوات المسلَّحة الذين أصيبوا بطلقات رصاص أو انفجارات، وضحايا حوادث السير والمرور، والأشخاص الذين سقطوا من الطوابق العليا في المباني. كما يمكن أن تؤدِّي المضاعفاتُ المحتملة الناجمة عن تدفُّق الدم المتضرِّر واختلال التوازن في المواد الكيميائيَّة في الجسم إلى مشاكل في الجسم. ولذلك، يُوصي الأطبَّاء بمعالجات إضافية اعتماداً على أجزاء الجسم المصابة. الخلاصة تؤدِّي الحركةُ المفاجئة والعنيفة أو الضربة على الرأس إلى إصابة الدماغ. وتُعرَف هذه الحالة بإصابة الدماغ الرضِّية. ويمكن أن تكون إصاباتُ الدماغ الرضيَّة خفيفةً أو معتدلة أو شديدة. تسبِّب إصابةُ الدماغ الرضيَّة الخفيفة التشويش (التخليط الذُّهني) والصُّداع، ومعظم الناس يتعافون منها. أمَّا إصابةُ الدماغ الشديدة فيمكن أن تسبِّب الإعاقة أو الموت. يمكن أن تحصل إصابةُ الدماغ الرضيَّة الشديدة حتَّى إذا اهتزَّ الرأس بعنف دون أن يرتطم بجسم صلب. ويمكن أن تحصلَ الإصابة عندما يتحرَّك الدماغ في داخل السائل الذي يحميه ويصطدم بالجمجمة. كما قد تحصل أيضاً إذا سبَّبت الضربة أضراراً مجهرية لخلايا الدماغ. إذا تعرَّض شخصٌ ما لضربة على الرأس، فيجب عليه أن يخضع لفحص من قبل الطبيب كي يكون مطمئناً. وينبغي طلبُ المساعدة الطبِّية العاجلة إذا ظهرت على المريض الأعراض التالية:
  • نوبات اختلاج.
  • ضعف أو خَدَر في اليدين أو السَّاقين.
  • كلام مضطرب.
  • تقيُّؤ متكرِّر.
  • صُداع شديد.
عندما يشفى المرضى من إصابات الدماغ الرَّضِّية المعتدلة أو الشديدة، قد تبقى لديهم تأثيراتٌ تستغرق وقتاً طويلاً للشفاء، وتشتمل على:
  • الإعاقات الإدراكية.
  • التغيُّرات في الشخصية.
  • الاضطرابات الحسِّية.
  • الصداع.
  • نوبات الاختلاج.

بفضل التطوُّر الطبي، أصبح من الممكن الآن معالجة معظم إصابات الدماغ الرَّضِّية بنجاح تام والحد من مضاعفاتها. كما تتوفَّر برامج إعادة تأهيل لمساعدة المصابين على التعايش مع الآثار الطويلة الأمد لإصاباتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق