السبت، 11 يناير 2014

داﺀ شاركُو ـ ماري ـ توث أمراض الجهاز العصبي


داﺀ شاركُو ـ ماري ـ توث - كافةداء شاركو ـ ماري ـ توث (CMT) هو مجموعةٌ من الاضطرابات العصبيَّة الجينيَّة. وهو يحمل أسماء الأطباء الثلاثة الذين توصَّلوا إلى اكتشافه. يصيب هذا الداءُ الأعصابَ المحيطيَّة في الجسم. والأعصابُ المحيطيّة هي الأعصابُ التي تنقل الإشارات الخاصة بالحركات والحس بين الدماغ والحبل الشوكي وبقية أنحاء الجسم. تبدأ أعراض هذا الداء في سنوات المراهقة عادةً. ومن الممكن أن يكونَ من بين الأعراض المبكرة مشكلاتٌ في القدمين، مثل زيادة تَقَوُّس باطن القدم أو إصبع القدم المِطرقِيَّة (تصبح بشكل المطرقة). ومع تفاقم الداء، من الممكن أن تصاب الساقان بالضعف. وفيما بعد، يمكن أن تُصابَ اليدان بالضعف أيضاً. لا يوجد شفاءٌ لهذا الداء. لكن من الممكن أن يكونَ الداءُ خفيفاً أحياناً إلى درجةٍ تجعله غير ملحوظ، كما يمكن أن يكون شديداً في حالاتٍ أخرى إلى درجةٍ تجعل المريضَ يعاني من ضعف حقيقي. وهناك كثيرٌ من الأشخاص المصابين بهذا الداء ممَّن يتمكَّنون من عيش حياةٍ نشطةٍ فعالة تمتد زمناً طبيعياً. ومن الممكن أن يستفيد المريض من المعالجة الفيزيائية، والمعالجة المهنية، وبعض المُساعِدات أو المُعِينات الطبية الخاصَّة، والجراحة أحياناً.

مقدمة

يعدُّ داء شاركو ـ ماري ـ توث (CMT) مجموعةً من الاضطرابات العصبية الجينية. وهو يحمل أسماء الأطباء الثلاثة الذين توصلوا إلى تحديده. يصيب هذا الداءُ الأعصابَ التي تنقل إشارات الحركة والحس بين الدماغ والحبل الشوكي وبقية أنحاء الجسم. لا يوجد شفاء لهذا الداء. لكن كثيراً من المرضى المصابين به يتمكَّنون من عيش حياة طبيعية فعالة. يساعد هذا البرنامجُ التثقيفي على تكوين فهم أفضل لداء شاركو ماري توث، وهو يتناول أعراضه وأسبابه أيضاً. كما أنَّه يستعرض تشخيص هذا الداء وسُبُل معالجته.

الأعصاب المُحيطية

يدعى الدماغُ والحبل الشوكي باسم "الجهاز العصبي المركزي". وأما الأعصابُ الموجودة في بقية الجسم فهي تحمل اسم "الجهاز العصبي المحيطي". الدماغُ هو مركز الإدارة في الجسم كله. وإضافةً إلى وظيفتي التفكير والإحساس، فإنَّ الدماغَ يتلقَّى المعلومات من مختلف أنحاء الجسم ويرسل أوامره إليها. تنتقل الأوامرُ الصادرة عن الدماغ عبر الحبل الشوكي. ومن الحبل الشوكي، تنتقل هذه الأوامرُ إلى بقية أنحاء الجسم عن طريق الأعصاب المحيطية. تُدعى الخلايا الأساسية التي يتشكُّل منها الجهاز العصبي باسم العَصبونات. ولكل خلية من هذه الخلايا جسمٌ ومِحوار (محور عصبي). المِحوار هو ليفٌ طويل يشبه سلكاً كهربائياً. وتتواصل العصبونات فيما بينها عن طريق إرسال إشارات كهربائية عبر المحاوير. هناك مادةٌ خاصَّة تدعى باسم "ميالين" تغطي المحاوير. ووظيفةُ هذه المادة هي تحسين الناقلية الكهربائية، ممَّا يؤدي إلى تحسين التواصل بين العصبونات. هناك عصبونات تبعث برسائل متعلقة بالحركة. وهذه العصبونات تُعرف باسم "العصبونات الحَرَكيَّة". وعلى سبيل المثال، يرسل الدماغ أوامره إلى الذراع واليد عندما يريد الإنسان أن يرفعَ يده. هناك عصبوناتٌ أخرى تتلقى الرسائل المتعلِّقة بالحس. وتدعى هذه العصبونات باسم "العصبونات الحسيّة". إذا أُصيبت اليدُ بالحرق خلال الطبخ مثلاً، فإن الأعصاب الموجودة في الجلد ترسل إشارات الألم إلى الدماغ. إذا تضرَّرت الأعصابُ، فإنها تعجز عن إرسال وتلقي الرسائل على نحوٍ صحيح. وهذا ما يمكن أن يسبب تشويشاً على الحركات والأحاسيس.

الأعراض

من الممكن أن تكونَ أعراضُ داء شاركو - ماري - توث خفيفةً إلى درجةٍ لا يدرك معها المريض وجود الداء. لكن هذه الأعراض يمكن أن تكون شديدةً لدى بعض المرضى الآخرين. يصيب داءُ شاركو - ماري - توث الأعصاب الحسيَّة والحركية. وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى ضعفٍ في العضلات، إضافةً إلى تراجع الحس في الأطراف المصابة. يبدأ ظهورُ أعراض الداء عادةً في فترة المراهقة أو بداية النضج. ثم يتطور المرض بعد ذلك على نحوٍ تدريجي بطيء. إن ضعف عضلات القدمين وأسفل الساق من بين الأعراض الشائعة لداء شاركو - ماري - توث. وهذا ما قد يؤدِّي إلى التعثر أو السقوط، وقد يجعل المريض يرفع قدمه أكثر من المعتاد عند المشي. قد يؤدي داء شاركو - ماري - توث أيضاً إلى حالة تدعى "بتدلي القدم" ، وهي تؤدي الى صعوبةٍ بالمشي، لأنَّ المريض يجد صعوبةً في رفع قدمه إلى الأعلى عن طريق ثني مفصل الكاحل. إن ضعف العضلات الصغيرة في القدم أمرٌ شائعٌ أيضاً لدى الأشخاص المصابين بداء شاركو - ماري - توث. وهذا ما قد يسبب زيادة تَقَوُّس باطن القدم، إضافة إلى متلازمة إصبع القدم المِطرقية. كما قد يتغيَّر مظهر الجزء السفلي من الساقين بسبب داء شاركو - ماري – توث أيضاً. ويحدث هذا نتيجة تدهور أو ضمور العضلات في الجزء السفلي من الساق لدى الأشخاص المصابين بهذا الداء. يتراجع الحسُّ لدى مرضى داء شاركو - ماري – توث عادة، وذلك في الساقين والقدمين. وقد يشعر المريض بخَدَرٍ في هذه المناطق أيضاً. في مرحلةٍ لاحقةٍ من تقدم المرض، يمكن أن تصبح عضلات اليدين ضعيفةً، ويمكن أن تفقد الحس أيضاً. وهذا ما يؤدِّي إلى صعوبةٍ في استخدام الأصابع واليدين والمعصمين عند القيام بالأعمال والنشاطات اليومية، كالكتابة مثلاً. في الحالات الشديدة، يمكن أن تتأثَّر الذراعان والفخذان عند بلوغ المرض مراحل متقدِّمة.

الأسباب

داءُ شاركو - ماري - توث هو مجموعةٌ من الاضطرابات الجينية التي يمكن أن تنتقلَ من الآباء إلى الأبناء. وهذا الداءُ ناجمٌ عن وجود جينات مَعيبة. ويقدم هذا القسم شرحاً عن الجينات وعن كيفية الإصابة بداء شاركو - ماري - توث بسبب الجينات المَعيبة. لدى كل إنسان ثلاثةً وعشرين زوجاً من الصبغيات. والجيناتُ موجودةٌ على هذه الصبغيات. إن الجينات هي التي تجعل الجسم يقوم بصنع مواد معينة. إن لدى كل شخص آلافاً من الجينات. وجيناتنا هي التي تمنحنا مظهرنا أيضاً. كما أنَّ لها صلة وثيقة بحالتنا الصحية. هناك جيناتٌ كثيرة مسؤولة عن إنتاج البروتينات التي تجعل الأعصاب المحيطية تعمل على نحوٍ سليم. وقد تقوم الجينات بإنتاج مواد من أجل المحاوير أو من أجل مادة الميالين التي تحيط بها؛ فإذا أصيب جينٌ أو أكثر من هذه الجينات بالخلل، فإنَّ الشخصَ يصاب بداء شاركو - ماري - توث. يحدث داءُ شاركو - ماري - توث بسبب جينات مَعيبة مسؤولة عن إنتاج البروتينات التي لها تأثيرٌ على الأعصاب المحيطية. هناك أنواعٌ مختلفة من داء شاركو - ماري - توث. إن بعض أنواع هذا المرض يحدث بسبب وجود جين واحد مَعيب. لكن، هناك أنواعٌ أخرى تحدث بسبب وجود جينين مَعيبين. غالباً ما تكون الطَّفَرات الجينية التي تؤدِّي إلى داء شاركو - ماري - توث موروثة. وهذا يعني أنَّ الجين المَعيب يمكن أن ينتقل إلى الطفل من أحد الأبوين.

التشخيص

يطرح الطبيبُ أسئلةً عن تاريخ المريض الطبي وعن تاريخ الأسرة الطبي. كما يقوم بفحصٍ جسديٍّ للمريض. خلال الفحص الجسدي للمريض، يبحث الطبيبُ عن علامات داء شاركو - ماري - توث. ومن بينها:
  • ضعف العضلات في الساقين والقدمين والذراعين واليدين.
  • تغيُّرات فيزيائية في القدمين، وذلك من قبيل زيادة تَقَوُّس باطن القدم أو الإصبع المِطرقية.
  • تراجع الحس في القدمين أو اليدين.
  • بطء المنعكسات.
من الممكن أن يلجأَ الطبيبُ إلى بعض الفحوصات الأخرى من أجل تشخيص داء شاركو - ماري - توث. ومن هذه الفحوصات:
  • دراسة الناقلية العصبية.
  • تخطيط كهربية العضلات (EMG).
  • الخزعة العصبية.
  • الاختبارات الجينية.
من الممكن أن تؤدي الخزعةُ العصبية أو الاختبارات الجينية إلى تأكيد تشخيص داء شاركو - ماري - توث. من الممكن أن تؤدي دراسةُ حالة الأعصاب إلى إظهار مدى حُسن انتقال التيار الكهربائي عبر هذه الأعصاب. يجري وضعُ إلكترودات (مساري كهربائية) على الجلد فوق أحد الأعصاب المُحيطية. وتقوم الإلكترودات بتحريض هذا العصب عن طريق صدمات كهربائية صغيرة. فإذا كانت الاستجابة لهذه الصدمات بطيئة أو ضعيفة، فمن الممكن أن يكون ذلك إشارةً إلى وجود اضطراب عصبي من قبيل داء شاركو - ماري - توث مثلاً. إن تخطيط كهربية العضلات يستخدم أيضاً إلكترودات من أجل قياس النشاط الكهربائي. لكنَّ هذا الاختبارَ يعتمد على غرس إلكترودات على شكل إبر في داخل الجلد. وعندما يقوم المريض بشد عضلاته وإرخائها، يجري تسجيلُ النشاط الكهربائي في العضلات. يسمح هذا الاختبار للطبيب بمعرفة العضلات التي تأثرت بداء شاركو - ماري - توث. حتى يحدِّد الطبيب ما إذا كانت الأعراض ناتجة عن داء شاركو - ماري - توث، أو عن اضطرابٍ عصبيٍّ آخر، فإنه يمكن أن يأخذ خزعةً عصبية. وعند أخذ هذه الخزعة، يقوم الطبيب بإجراء شق جراحي صغير في جلد الجزء السُّفلي من الساق. وبعد ذلك يأخذ الطبيب قطعةً صغيرة من العصب المُحيطي من أجل فحصها. يستخدم الفحصُ الجيني عَيِّنةً من الدم من أجل البحث عن الجينات المَعيبة التي تسبب داء شاركو - ماري - توث. ومن الممكن الاستفادة من ذلك أيضاً لمساعدة المريض في معرفة مخاطر انتقال هذا المرض إلى أبنائه أيضاً.

المعالجة

لا يوجد شفاءٌ لداء شاركو - ماري - توث. لكن هناك سُبُل معالجة كثيرة متوفرة من أجل إدارة الأعراض ومساعدة المرضى في التأقلم مع المرض. المعالجةُ الفيزيائية قادرةٌ على مساعدة مرضى داء شاركو - ماري - توث في تقوية عضلاتهم عن طريق التمارين والتمطيط. وهذا ما يقي المريض من تفاقم خسارة العضلات. يعاني بعضُ مرضى داء شاركو - ماري - توث من ضعف العضلات في الذراعين واليدين. وهذا ما يؤدي إلى تراجع القدرة على أداء بعض المهام. وتكون المعالجة المهنية ضروريةً في هذه الحالات. إن المعالجة المهنية تعلِّم المريض كيفية القيام بالمهام اليومية، كالكتابة أو تثبيت الأزرار مثلاً. هناك أدواتٌ طبيةٌ مساعدة، كالرباطات أو الجبائر التي توضع على الساق أو الكاحل مثلاً، يمكن أن تكون مفيدةً للمرضى. وهذه المُساعِدات مفيدةٌ لحماية مرضى داء شاركو - ماري - توث من الإصابة بالأذى. كما أنَّ هناك دِعامات للإبهام تسمح بتحسين قدرة المريض على الإمساك بالأشياء. من الممكن وصفُ الأدوية المسكنة للألم من أجل بعض مرضى داء شاركو - ماري - توث وذلك لمعالجة التقلصات العضلية أو الأضرار التي تلحق بالأعصاب. لكن المصابين بهذا الداء لا يعانون من الألم عادةً. من الممكن إجراء عملية جراحية من أجل إصلاح المشكلات الشديدة في القدم التي يمكن أن تسبِّبَ الألم وأن تجعل المشي صعباً. لكن الجراحة لا تستطيع المساعدة في تحسين حالة الضعف العضلي في القدم أو المعالجة من فقد الإحساس فيها. من الممكن أيضاً أن يقومَ المريضُ في المنزل بأشياء تساعده في تدبير الأعراض. ومن هذه الإجراءات:
  • ممارسة تمارين رياضية منتظمة.
  • ممارسة التمطيط يومياً.
  • استخدام عُكَّاز أو جهاز المساعدة في المشي من أجل تحسين ثبات المريض.
على المصاب بداء شاركو - ماري - توث العناية بقدميه أيضاً. إن هذا الداء يمكن أن يؤدي إلى فقدان الإحساس في القدم. وهذا ما يجعل تفقُّد القدم باستمرار أمراً ضرورياً نظراً لاحتمال إصابتها بالعدوى أو بالجروح أو بالثَّفَن (التقرُّن). إذا لم يتفقَّد المريضُ قدمه يومياً، فمن الممكن أن تصاب القدم بتقرّحاتٍ من غير أن يشعر المريض بأي ألم. وإذا تطورت هذه التقرحات، فقد تصاب القدم بالغنغرينة، مما قد يؤدِّي إلى ضرورة بترها أحياناً. يستطيع المريضُ وقايةَ قدمه من المشكلات من خلال:
  • قص الأظافر على نحوٍ منتظم من أجل تجنب العدوى والنمو الشاذ للأظافر.
  • نَقَع الساقين وترطيبهما بمحاليل خاصة.
  • استخدام حذاء مناسب للقدم.

الخلاصة

داءُ شاركو - ماري - توث (CMT) هو مجموعةٌ من الاضطرابات العصبية. وهو يحمل اسم الأطباء الثلاثة الذين قاموا بتحديده. إن هذا الداء يصيب الأعصاب التي تنقل الإشارات الخاصة بالحركة والحس بين الدماغ والحبل الشوكي وبقية أنحاء الجسم. يحدث داءُ شاركو - ماري - توث بسبب تغيرات في المادة الجينية المسؤولة عن صنع البروتينات اللازمة من أجل الأعصاب. تُدعى هذه التغيرات باسم "الطفرات الجينية". إن الجينات المَعيبة تؤدي إلى تشويش انتقال الرسائل بين الدماغ والأطراف، أو إلى إبطاء انتقالها، لدى الأشخاص المصابين بداء شاركو - ماري - توث. هناك خياراتٌ متعدِّدة متوفرة من أجل تدبير أعراض داء شاركو - ماري - توث. ومنها المعالجة الفيزيائية، والمعالجة المهنية، واستخدام الدِّعامات والجبائر والمُساعِدات الطبية. كما أن الجراحة يمكن أن تكون مفيدةً لبعض المرضى أحياناً. من الممكن أن يكون داء شاركو - ماري - توث وراثياً. كما يمكن أن يكون خفيفاً في بضع الحالات أو شديداً في حالاتٍ أخرى. لا يوجد شفاءٌ لهذا الداء. لكنَّ المعالجةَ تستطيع أن تساعدَ كثيراً من المرضى على عيش حياة فعَّالة نشطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق