يمرُّ كلُّ إنسان بفترة من الحُزن والحِداد بعد أن يحرمه الموتُ من شخصٍ عزيز أو قريب. وهذه الفترةُ هي جزءٌ طبيعي من ردِّ الفعل تجاه الإحساس بالخسارة والفقد. وقد يكون ذلك على شكل ردِّ فعل نفسي أو جَسَدي أو اجتماعي أو عاطفي. ومن الممكن أن تتضمَّنَ ردودُ الفعل النفسيَّة الشعورَ بالغضب أو الذنب أو القلق أو الحزن أو اليأس والقنوط. أمَّا ردودُ الفعل الجسدية فقد تظهر على صورة مُشكلات في النوم، وتغيُّرات في الشَّهية، ومُشكلات صحِّية أو أمراض. أمَّا مقدارُ استمرار هذه المرحلة فقد يعتمد على مقدار القُرب من الشخص المُتَوفَّى، وعلى ما إذا كانت وفاتُه أمراً متوقَّعاً أو مفاجئاً، بالإضافة إلى عوامل أخرى. وقد يكون الإيمانُ ومساندة أفراد الأسرة والأصدقاء مصادرَ حقيقيةً للدعم في هذه المرحلة. ومن الممكن أيضاً أن يستفيدَ بعضُ الأشخاص الذين يمرُّون بهذه المرحلة من استشارة نفسية أو من معالجة لهذا النوع من المعاناة.
مقدِّمة
فترة المعاناة الناجمة عن الوفاة هي فترةُ الحُزن والحِداد التي يعيشها الإنسان بعدَ وفاة شخص عزيز عليه. خلال هذه الفترة يمكن أن يعيشَ الإنسانُ حالةً من المُعاناة والحزن تتَّخذ شكلَ رد فعل نفسياً أو جسدياً أو اجتماعياً أو عاطفياً. ويمكن أن يتعلَّق طولُ هذه الفترة بعدد من العوامل المختلفة. يبحث هذا البرنامجُ التثقيفي في فترة المعاناة الناجمة عن الوفاة، ويركِّز بشكل خاصٍّ على ردود الفعل النفسية والجسدية الناجمة عنها.التفجُّعُ أو فترةُ المعاناة الناجمة عن الوفاة
فترةُ المعاناة الناجمة عن الوفاة هي فترةُ الحُزن والحِداد التي يعيشها الإنسان بعدَ وفاة شخص عزيز عليه. الحزن هو رد فعل طبيعي لفقدان شخص عزيز. وقد يتضمَّن:- الشعور بالفراغ العاطفي.
- الشعور بعدم القدرة على تصديق ما حدث.
- الشعور بالقلق بسبب الانفصال عن الفقيد.
- الحزن الشديد والاكتئاب.
- الشعور بقبول الأمر الواقع.
- الطبيعة الشخصية للإنسان الذي يعيش هذه المعاناة.
- طبيعة العلاقة مع الشخص المُتوفَّى.
- مقدار معاناة وألم الشخص المُتوفَّى قبلَ الوفاة.
- مهارات الشخص الذي يمرُّ بهذه المرحلة من حيث القدرةُ على التكيُّف، وكذلك مقدار صحَّته العقلية الحالية والسابقة.
- مقدار ما يلقاه من مساندة ودعم.
- خلفيته الثقافية والدينية.
- وضعه الاجتماعي والمالي.
المعاناةُ والحزن العاديَّان
تبدأ المعاناةُ والحزن العاديَّان بعدَ الوفاة مباشرة، ثمَّ تتراجع أعراضُهما وتزول بمرور الزمن. ومن ردود الفعل العادية:- الشعور بالفراغ العاطفي وبالصدمة وعدم التصديق، بل حتَّى محاولة إنكار ما حدث. وتظهر هذه المشاعرُ بعدَ الوفاة مباشرة عادة، وخاصَّةً إذا لم تكن الوفاةُ مُتوقَّعة.
- الشعور بالقلق بسبب الانفصال عن الشخص العزيز المُتوفَّى، حيث يتمنَّى الإنسانُ أن يستطيعَ استعادةَ من فقده، ويغرق في أفكار متعلِّقة بالمتوفَّى. وقد يكثُر ظهورُ صور الموت في أفكار الإنسان خلال هذه الفترة.
- الشِّدَّة النفسية المُفضية إلى البكاء وكثرة التنهيد، وكذلك الأحلام المُزعجة والتَّخيُّلات والهلوسة المتعلِّقة بالشخص المُتوفَّى.
- الإحساس بالغضب والحَنَق.
- فترات من الحزن.
- فقدان القدرة على النوم.
- فقدان الشهية.
- الإحساس بالتعب الشديد.
- الشعور بالذنب.
- فقدان الاهتمام بمُجريات الحياة اليومية.
الحُزنُ الاستباقي
الحزنُ الاستباقي نوعٌ من أنواع الحزن والمعاناة يحدث قبلَ حدوث وفاة مُتَوقَّعة ومُنتَظَرة. وقد تعيش أسرةُ الشخص المُحتَضَر هذه الحالةَ، كما يُمكن أن يعيشَها الشخصُ المُحتَضَر نفسُه أيضاً. وعلى غرار المعاناة والحزن اللذان يعيشهما الإنسانُ بعدَ وفاة شخص عزيز، يمكن أن تتضمَّن حالةُ الحزن الاستباقي ردودَ أفعال نفسيةً وعاطفية وثقافية واجتماعية. ويمكن أن تكونَ هذه الفترةُ مرحلةَ اهتمام بتسوية شؤون الشخص المُحتَضَر وإظهار الحب تجاهه أو مسامحته على أشياء سابقة. تساعد حالةُ الحزن الاستباقي أفرادَ الأسرة على الاستعداد نفسياً لفقدان الشخص المُحتَضَر. لكنَّ هذه الحالةَ قد تكون شديدةَ الصعوبة بالنسبة للشخص المُحتَضَر نفسه، ومن الممكن أن تجعلَه ينسحب مبتعداً عن الآخرين. وتتضمَّن أعراضُ الحزن الاستباقي ما يلي:- الاكتئاب.
- الشعور نحو الشخص المُحتَضَر باهتمام يفوق الحدَّ ألمألوف.
- تخيُّل ما يمكن أن يكونَ عليه فقدانُ الأشخاص المحبوبين.
- التهيُّؤ نفسياً لما سوف يحدث بعدَ الوفاة.
الحزنُ المُرَكَّب
رُغم عدم وجود ما يُمكن أن ندعوه طريقةً خاطئة أو صحيحة للحزن على المُتَوفَّى، فإنَّ هناك دراسات تُبيِّن وجودَ أنماط للحزن والحِداد تختلف عمَّا هو شائع. ويُدعى هذا باسم "الحزن المُرَكَّب". يمكن أن تظهرَ على الشخص الذي يُعاني الحزن المُركَّب أعراضُ الحزن العادية نفسها، لكنَّها تستمرُّ زمناً أطول ممَّا نراه في الأحوال العاديَّة. قد يُؤدِّي قلة الدعم الاجتماعي إلى زيادة صعوبة التأقلم مع الفقدان الناجم عن الوفاة. الناسُ الأكثر تعرُّضاً لاحتمال المعاناة من حالة الحزن المُركَّب هم الأشخاص المعتمدون كثيراً على الشخص المتوفَّى، كالزوج أو الزوجة مثلاً، وكذلك الأشخاصُ الذين يستجيبون للحزن والأسى عن طريق التفكير فيه كثيراً. يؤثِّر جنسُ الشخص في مقدار ما يعيشه من معاناة وحزن. وعلى وجه العموم، يبدو أنَّ الرجالَ يعانون من الاكتئاب والمشاكل الصحِّية أكثر من النساء عندَ وفاة شخص عزيز عليهم. ويرى عددٌ من الباحثين أنَّ السببَ يمكن أن يُعزى إلى قلَّة ما يتلقَّاه الرجلُ من مساندة ودعم اجتماعيين في حالات الوفاة. يميل الأشخاصُ الأصغر سناً إلى المعاناة والحزن لفترة أكثر ممَّا نراه عندَ الأشخاص الأكبر سناً. لكنَّهم يخرجون من هذه الحالة على نحو أسرع أيضاً، لأنَّهم يتمتَّعون بمقدار أكبر من الموارد والدعم الاجتماعي. يزداد احتمالُ معاناة الإنسان من حالة الحزن المركَّب بعدَ حدوث وفاة غير مُتوقَّعة عندما يكون قليلَ الاعتداد بنفسه، وعندما يكون ممَّن يشعرون بقلَّة القدرة على ضبط مُجريات الحياة.المعالجة
يتمكَّن معظمُ الناس من تجاوز مرحلة الحزن والحداد بعدَ فترة تمتدُّ من ستَّة أشهر إلى عامين. ويعدُّ تلقِّي الدعم الاجتماعي الطريقة الأكثر فعَّالية لتجاوز هذه المرحلة. قد تكون المعالجةُ مفيدةً للأشخاص الذين يُعانون من شدَّة نفسية أو ردود فعل خطيرة بسبب الحزن والحِداد. تتضمَّن "معالجةُ الحزن المركَّب" تبادلَ الكلام، والإصغاء، والمشورة. تُساعد "المعالجةُ المعرفية السلوكية" الشخصَ الذي يمرُّ بمرحلة الحزن والحداد على تعلُّم مهارات تُغيِّر مواقفَه وسلوكه. ويجري هذا من خلال استبدال الأفكار السلبية وتغيير استجابة الشخص لبعض السلوكيات. ومن الممكن أن يجري استخدامُ الأدوية أيضاً لمعالجة الاكتئاب الذي يرافق الحزنَ والحداد في بعض الحالات. لكنَّ بعضَ اختصاصيي الرعاية الصحِّية يرون أنَّ الاكتئابَ جزءٌ طبيعي من هذه المرحلة، وأنَّه لا يحتاج إلى معالجة.الأطفالُ وحالةُ الحزن والحِداد
لا يكون ردُّ فعل الأطفال على فقدان الشخص المُتوفَّى مماثلاً لردِّ فعل الكبار. يشرح هذا القسمُ بعضَ أشكال الاختلاف بين الكبار والصغار من هذه الناحية. يظهر الحزنُ عندَ الطفل من وقتٍ لآخر، وذلك لفترات قصيرة من الزمن. وقد يبدو الحزنُ في لحظة معيَّنة على الطفل الذي فقد شخصاً عزيزاً، ثمَّ نراه مَرِحاً منطلقاً بعدَ قليل. وقد يكون السببُ هو أنَّ الطفلَ لا يستطيع أن يعيشَ مشاعرَ قويةً لفترة طويلة من الزمن. غالباً ما تشعر الأسرةُ أنَّ الطفلَ لا يُدرك خسارةَ الشخص المُتوفَّى إدراكاً حقيقياً، أو أنَّه يتجاوزها سريعاً. لكنَّ التفسيرين غير صحيحين في معظم الأحوال. إنَّ أذهان الأطفال تقوم بحمايتهم ممَّا يُمكن أن يكونَ التعاملُ معه على المستوى العاطفي أكثرَ من طاقتهم. من الممكن أن يلجأَ الراشدون الذين يمرُّون بفترة الحزن والحِداد إلى الابتعاد عن الناس، وعدم التحدُّث عن ألم فقدان الشخص المتوفَّى. أمَّا الأطفالُ فهم يحدِّثون الآخرين عن المُتوفَّى غالباً، حتَّى إذا كانوا من الأشخاص الغُرباء. وهذا ما يساعد الطفلَ على رؤية ردود أفعال الآخرين، ممَّا يفيده في استنتاج كيف يجب أن يكونَ ردُّ فعله هو. من الممكن أن يطرحَ الأطفالُ أسئلةً مُربِكة؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن يسألَ الطفل: "أعرف أنَّ جدِّي مات، لكن متى يعود إلينا؟" هذه هي طريقةُ الأطفال في اختبار الواقع، والتعرُّف إليه، والتأكُّد من أنَّ ما سمعوه عن الموت لم يتغيَّر. من الممكن أن يمرَّ الطفلُ الذي فقد شخصاً قريباً منه بما يلي:- يصبح خائفاً من المدرسة.
- يعاني من مشكلات في التعَلُّم.
- يُظهِر سلوكاً عدوانياً أو معادياً للمجتمع المحيط به.
- ينسحب مبتعداً عن الآخرين.
- يبالغ في التعلق والارتباط ببعض الأشخاص.
- هل كنت أنا سبب الوفاة؟
- هل سيحدث ذلك لي أيضاً؟
- من الذي سيعتني بي؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق